فصل: من فوائد الشعراوي في الآيتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الألوسي في الآيتين:

قال رحمه الله:
{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق} أخرج غير واحد عن قتادة بن النعمان رضي الله تعالى عنه أنه قال: كان أهل بيت منا يقال لهم: بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر، وكان بشر رجلًا منافقًا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينحله بعض العرب، ويقول: قال فلان كذا، وقال فلان كذا فإذا سمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث فقال:
أو كلما قال الرجال قصيدة ** أضموا فقالوا: ابن الأبيرق قالها

وكانوا أهل حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان طعام الناس بالمدينة التمر والشعير وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك ابتاع منها فخص بها نفسه فقدمت ضافطة فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملًا من الدرمك فجعله في مشربة له وفي المشربة سلاح له درعان وسيفاهما وما يصلحهما فعدا عدي من تحت الليل فنقب المشربة وأخذ الطعام والسلام فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي تعلم أنه قد عدى علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق قد استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم فقال بنو أبيرق: ونحن نسأل في الدار والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلًا منا له صلاح وإسلام فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه ثم أتى بني أبيرق، وقال: أنا أسرق فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة قالوا: إليك عنا أيها الرجل فوالله ما أنت بصاحبها فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا وأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سأنظر في ذلك فلما سمع بنو أبيرق أتوا رجلًا منهم يقال له أسير بن عروة فكلموه في ذلك واجتمع إليه ناس من أهل الدار فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال قتادة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته فقال: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثبت فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الله تعالى المستعان فلم نلبث أن نزل القرآن {إنا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب} إلخ فلما نزل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة فلما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخًا قد عسى في الجاهلية وكنت أرى إسلامه مدخولًا قال: يا ابن أخي هو في سبيل الله فعرفت أن إسلامه كان صحيحًا ثم لحق بشير بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد أنزل الله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرسول} [النساء: 115] الآية، ثم إن حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه هجا سلافة فقال:
فقد أنزلته بنت سعد وأصبحت ** ينازعها جلد أستها وتنازعه

ظننتم بأن يخفى الذي قد صنعتم ** وفينا نبي عنده الوحي واضعه

فلما سمعت ذلك حملت رحله على رأسها فألقته بالأبطح فقالت: أهديت إلى شعر حسان ما كنت تأتيني بخير، وأخرج ابن جرير عن السدي واختاره الطبري أن يهوديًا استودع طعمة بن أبيرق درعًا فانطلق بها إلى داره فحفر لها اليهودي ودفنها فخالف إليها طعمة فاحتفر عنها فأخذها فلما جاء اليهودي يطلب درعه كافره عنها فانطلق إلى أناس من اليهود من عشيرته فقال: انطلقوا معى فإني أعرف موضع الدرع فلما علم به طعمة أخذ الدرع فألقاها في دار أبي مليك الأنصاري فلما جاءت اليهود تطلب الدرع فلم تقدر عليها وقع به طعمة وأناس من قومه فسبوه، وقال طعمة: أتخونوني فانطلقوا يطلبونها في داره فأشرفوا على دار أبي مليك فإذا هم بالدرع فقال طعمة: أخذها أبو مليك وجادلت الأنصار دون طعمة، وقال لهم: انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له: ينضح عني ويكذب حجة اليهود، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهمّ أن يفعل فأنزل الله تعالى الآية فلما فضح الله تعالى طعمة بالقرآن هرب حتى أتى مكة فكفر بعد إسلامه ونزل على الحجاج بن علاط السلمي فنقب بيته وأراد أن يسرقه فسمع الحجاج خشخشة في بيته وقعقعة جلود كانت عنده فنظر فإذا هو بطعمة فقال: ضيفي وابن عمي أردت أن تسرقني؟ا فأخرجه فمات بحرة بني سليم كافرًا وأنزل الله تعالى فيه {وَمَن يُشَاقِقِ} [النساء: 115] إلخ، وعن عكرمة أن طعمة لما نزل فيه القرآن ولحق بقريش ورجع عن دينه وعدا على مشربة للحجاج سقط عليه حجر فلحج فلما أصبح أخرجوه من مكة فخرج فلقي ركبًا من قضاعة فعرض لهم فقالوا: ابن سبيل منقطع به فحملوه حتى إذا جن عليه الليل عدا عليهم فسرقهم ثم انطلق فرجعوا في طلبه فأدركوه فقذفوه بالحجارة حتى مات، وعن ابن زيد أنه بعد أن لحق بمكة نقب بيتًا يسرقه فهدمه الله تعالى عليه فقتله، وقيل: إنه أخرج فركب سفينة إلى جدة فسرق فيها كيسًا فيه دنانير فأخذ وألقى في البحر.
هذا وفي تأكيد الحكم إيذان بالاعتناء بشأنه كما أن في إسناد الإنزال إلى ضمير العظمة تعظيمًا لأمر المسند، وتقديم المفعول الغير الصريح للاهتمام والتشويق، وقوله سبحانه: {بالحق} في موضع الحال أي إنا أنزلنا إليك القرآن متلبسًا بالحق {لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس} برهم وفاجرهم {بِمَا أَرَاكَ الله} أي بما عرفك وأوحى به إليك، و(ما) موصولة والعائد محذوف وهو المفعول الأول لأرى وهي من رأى بمعنى عرف المتعدية لواحد وقد تعدت لاثنين بالهمزة، وقيل: إنها من الرأي من قولهم: رأى الشافعي كذا وجعلها علمية يقتضي التعدي إلى ثلاثة مفاعيل وحذف اثنين منها أي بما أراكه الله تعالى حقًا وهو بعيد، وإما جعلها من رأى البصرية مجازًا فلا حاجة إليه {وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ} وهم بنو أبيرق أو طعمة ومن يعينه، أو هو ومن يسير بسيرته، واللام للتعليل، وقيل: بمعنى عن أي لا تكن لأجلهم أو عنهم {خَصِيمًا} أي مخاصمًا للبراء، والنهي معطوف على مقدر ينسحب عليه النظم الكريم كأنه قيل: إنا أنزلنا إليك الكتاب فاحكم به ولا تكن إلخ، وقيل: عطف على {أَنزَلْنَا} بتقدير قلنا، وجوز عطفه على الكتاب لكونه منزلًا ولا يخفى أنه خلاف الظاهر جدًا.
{واستغفر الله} مما قلت لقتادة أو مما هممت به في أمر طعمة وبراءته لظاهر الحال، وما قاله صلى الله عليه وسلم لقتادة، وكذا الهمّ بالشيء خصوصًا إذ يظن أنه الحق ليس بذنب حتى يستغفر منه لكن لعظم النبي صلى الله عليه وسلم وعصمة الله تعالى له وتنزيهه عما يوهم النقص وحاشاه أمره بالاستغفار لزيادة الثواب وإرشاده إلى التثبت وأن ما ليس بذنب مما يكاد يعدّ حسنة من غيره إذا صدر منه عليه الصلاة والسلام بالنسبة لعظمته ومقامه المحمود يوشك أن يكون كالذنب فلا متمسك بالأمر بالاستغفار في عدم العصمة كما زعمه البعض، وقيل: يحتمل أن يكون المراد: واستغفر لأولئك الذين برءوا ذلك الخائن {إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} مبالغًا في المغفرة والرحمة لمن استغفره، وقيل: لمن استغفر له. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآيتين:

قال رحمه الله:
{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}
والحق سبحانه وتعالى حين يتكلم عن نفسه؛ يتكلم فيما يتعلق بالفعل بصفة التعظيم والجمع. مثال ذلك قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا}. وهذه «نون الجماعة» حيث يتطلب إنزال القرآن قوى متعددة لا تتوافر إلا لمن له الملك في كل الكون. ولنضرب لذلك مثلا ولله المثل الأعلى.. إننا نجد أن رئيس الدولة أو الملك في أي بلد يصدر قرارًا فيقول: «نحن فلانا أصدرنا القرار». والملك أو الرئيس يعرف أنه ليس وحده الذي يصدر القرار، ولكن يصدره معه كل المتعاونين معه وكل العاملين تحت رئاسته، فما بالنا بالحق الأعلى سبحانه وتعالى؟ لذلك فحين يتكلم سبحانه فيما يتعلق بالذات يكون الحديث بواسطة ضمير الأفراد: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إله إِلا أَنَاْ فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]
ولا يأتي هنا ضمير الجمع أبدًا، ولا تأتي «نون التعظيم». ولكن في هذه الآية نجد الحق يقول: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}.. ونرى «نون التعظيم» واضحة، فالقرآن كلام الله، ونزول القرآن يتطلب صفات متعاضدة. فسبحانه مرة يقول: {أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} [العنكبوت: 47]
ومرة يقول: {أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51]
ومرة ثالثة يقول: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10]
ما الغاية من الإنزال؟ الغاية من الإنزال أن يوجد على الأرض منهج يحكم حركة الحياة. والقرآن قد أنزل إلى الرسول وإلى من آمن بالرسالة. وحين يقول الحق: {أَنزَلْنَا عَلَيْكَ} فمعنى ذلك نزول التكليف. وساعة نسمع كلمة {أَنزَلْنَا} فعلينا أن نعرف أن كل شيء يجيء من الحق فهو ينزل إلينا منه سبحانه، وكلمة «أنزل» تشعر السامع أو القارئ لها أن الجهة التي أنزلت هي جهة أعلى، وليست مساوية لمن أُنْزِلَ إليه، وليست أدنى منه أيضًا.
وكلمة {أَنزَلْنَا} تدل على أن جهة أنزلت، وجهة أُنزل إليها، وشيء أنزلته الجهة إلى المُنَزِّلِ إليه. والكتاب هو المنزل. والذي أنزله هو الله. والمُنَزَّلِ إليه هو رسول الله وأمته. وهل أنزل الحق سبحانه الكتاب فقط أو أنزل قبل ذلك كل ما يتعلق بمقومات الحياة؟
وعندما نقرأ هذا القول الكريم: {يَابَنِي ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26]
إنه لباس جاء من أعلى؛ لذلك استخدم الحق كلمة {أَنزَلْنَا} وهو ليس لباسًا فقط ولكنه أيضًا يزينكم مأخوذ من ريش الطائر لأنه لباسه وزينته، فهو لا يواري العورة فحسب ولكنه جميل أيضًا، والأجمل منه أنّه لباس التقوى.
لقد جاء الحق بالمقوم للحياة سترًا ورفاهية، وبعد ذلك أنزل الحق لباس التقوى وهو الخير. فاللباس الأول يواري عورة مادية، ولباس التقوى يواري العورات القيمية والمعنوية، وكل ذلك إنزال من أعلى.
وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد: 25]
إذن فكلمة «الإنزال» تدل على أن كل ما جاء من قِبَلِ الحق الأعلى إلينا، فهو نازل إلينا بشيء يعالج مادتنا وقوامنا، وبشيء يعالج معنوياتنا وقيمنا.
ويقول الحق في الآية التي نحن بصدد تناولها الآن: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} وحين يُطلق الكتاب فالمعنى ينصرف إلى الكتاب الجامع المانع المهيمن على سائر الكتب وهو القرآن، وإن كان {الْكِتَابَ} يطلق على المكتوب الذي نزل على أي رسول من الله سبحانه وتعالى.
{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} والحق هو الشيء الثابت الذي لا يأتي واقع آخر لينقضه. وعلى سبيل المثال: أنت في حياتك العادية حين تقول قضية صدق تحكي بها واقعا حدث مهما تكررت روايتك لهذه التفاصيل مدة عشرين سنة فهي لا تتغير؛ لأنها مطابقة للواقع. وأنت حين تقولها تستحضر الواقع الذي حدث أمامك. ولكن إذا حَدّثَ إنسان بقضية كذب لا واقع له. فماذا يكون موقفه؟ سيحكي القضية مرة بأسلوب، وإن مر عليه أسبوع فهو ينسى بعضًا مما قاله في أول مرة فيحكي وقائع أخرى، ذلك أن ما يرويه ليس له واقع؛ لذلك يقول كلامًا مغايرًا لما قاله في المرة الأولى، وهنا يعرف السامع أن هذه المسألة كاذبة.